Saturday, January 7, 2012

عن الهوية الفلسطينية والأمن القومي الأردني




الناظر إلى التصريحات الإسرائيلية منذ ثلاث أعوام تقريبا يرى فيها توجها سوداويا تجاه الأردن والوضع القائم به، مستغلّة وللأسف هشاشة الوضع الداخلي الاردني وتعمق الشرخ بين أبناء المجتمع الواحد نتيجة توجهات الدولة منذ عودة الحياة الديمقراطية للمملكة التي ساهمت وبكل أسف إلى تحويل أي تصريح من أي مسؤول إسرائيلي صغير أو كبير إلى قنبلة سياسية تهز الكيان السياسي والنسيج الاجتماعي الأردني.



تنوّع الطرح الإسرائيلي عبر تاريخ القضية في التعامل مع العنصر الفلسطيني المتبقي على أرضه التاريخيه عبر تاريخ الاحتلال، فما بعد عام 1967 تحديدا كان هناك توجهات رئيسة تلخصت في: الحل الفلسطيني عبر التوصل لتسوية مع قادة شرق فلسطين (الضفة الغربية) وغزة لصيغة حكم ذاتي أو أي صيغة أخرى، الحل الأردني الساعي لإعادة شرق فلسطين للأردن وإبقائها تحت سيادته مع نزع سلاحها وتعديل على الحدود، أما الحل الثالث الذي تبنّاه أقصى اليمين الصهيوني كان ابتلاع اسرائيل ما تبقى من فلسطين باعتبارها الجزء التوراتي الأصيل الذي تمت "استعادته" في حرب الأيام الستة. المشكلة الوحيدة المتبقية كانت في ظل وَهَن وانبطاح الموقف العربي هي الحل مع سكان شرق فلسطين وغزة المتبقين؟ هل الحل هو استيعابهم ضمن مكونات المجتمع الإسرائيلي كما تم استيعاب فلسطينيي 1948 أم هل يجب تطهير "يهودا" و"والسامرة" من المتطفلين العرب؟

كما تظهر المراجع الاسرائيلية والمراجع الأجنبية كان اليمين الإسرائيلي يطمح وبقوة إلى إسقاط النظام الأردني لإقامة حكومة فلسطينية وإنهاء القضية الفلسطينية مرة واحدة وللأبد، ذلك تقاطع وللأسف مع توجهات التنظيمات الفلسطينية التي كانت متواجدة على الساحة الأردنية والتي كانت تدعو جهاراً إلى إسقاط النظام الأردني وإقامة دولة ثورية فلسطينية على التراب الأردني.  شاء القدر أن لا ينجح كلا الطرفين في مسعاه ذاك، لكن اليوم وبعد فشل جلّ المحاولات الإسرائيلية في استيعاب وتدجين سكان شرق فلسطين وغزة، وعودة الحركة الوطنية والإسلامية إلى فلسطيني 1948 بقوة مما فرض على الجبهة الداخلية الإسرائيلية مخاطرَ ظنّت الدولة الإسرائيلية أنها دفنتها للأبد. كل ذلك وبرأيي يدفع الآن الساسة الصهاينة إلى حلول جذرية مستقاة من بدايات الحركة الصهيونية تهدف وبكل وقاحة وبساطة إلى نفي وجود "الشعب الفلسطيني" جذريا، وبأن الصراع كان وما يزال بين "شعب إسرائيل" اليهودي الذي يحارب من أجل أرضه التاريخية التي وهبت له بعطاء كريم من الله وبين مكوّن عربي دخيل على تلك الأرض لا أكثر. المخيف في الأمر هو طرح هذه الصيغة وتجذيرها في الخطاب الرسمي الإسرائيلي على لسان بعض وزراء الحكومة وعبر بعض المنابر الرسمية والعديد العديد من وسائل الإعلام وليس فقط من اليمين الإسرائيلي، بل تعدى الأمر إلى إيقاذ جذوة حرب المصطلحات التاريخية وتسميات المناطق داخل فلسطين المحتلة كما فعلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عبر منعها استخدام مصطلح "الضفة الغربية" واستبداله حصرا بتسميات يهودا والسامرة كما قامت بإلغاء التسميات العربية للمدن والقرى الفلسطينية. المخيف أكثر من هذا كله هو وصول هذا الطرح إلى مرشحي الرئاسة الأمريكية وتسابقهم لطرحه –على اختلاف درجة الصراحة- في محاولتهم لنيل الرضا الاسرائيلي الذي صار واضحاً أنه أحد أركان للوصول إلى البيت الأبيض.

الحرب اليوم لم تعد وللأسف حرب جيوش ودول، بل صارت صراعا لإثبات الوجود وتجذير الهوية الفلسطينية لدى سكان فلسطين العرب الأصليين، قد يكون الوجود الجسدي الآن للفلسطينيين في بلادهم طريقا أخرى من طرق مقاومة حرب الإبادة الإسرائيلية لأننا وللأسف بعدما خسرنا حروبنا العسكرية والقانونية نتجه الآن نحو خسارة الهوية الثقافية والتي تعبر بأبسط تجلياتها عن الوجود الطبيعي للسكان الأصليين لفلسطين المحتلة بل وللموروث الثقافي العروبي عموما. أذكر أنني قبل أيام كنت أشاهد برنامج مسابقات للطهاة في استراليا، أحدهم قام بتحضير ما سمّاه طبق (الكسكسي الإسرائيلي  Israeli couscous)، حتى طعام الشعوب العربية والإسلامية أصبح مستهدفا بسياسية التهويد. الطروحات الإسرائيلية قد تبدوا لنا بغاية الغباء والرد عليها يبدو لنا لنا أيضا بدهيا لا يحتاج إلى الكثير من الحجج والأدلة، لكن الحقيقة أننا نغفل تلك الزاوية بطريقة تجعل من كل ما نحمله موروث حضاري عرضة لخطر التهويد والشطب. الإسرائيلي يحاجج الآن بعدم وجود لغة فلسطينية ولم توجد على مدار التاريخ دولة إسمها فلسطين فمن أين هبط علينا "الفلسطينيون"؟؟ أتساءل أنا أيضاً إذا كانت لغة يسوع المسيح عليه السلام الآرامية فمن أي شعب هذا يجعله بالضبط؟؟

من ملصقات عصابة الأرغون قبل النكبة 
إعتقدت دوما أن سايكس وبيكو وبلفور عندما وقّعوا كل تلك المعاهدات والوعود المشؤمة كانوا قد أوقعوا كارثة جيوسياسية هائلة بشعوب المنطقة، لكن الآن أعتقد أنّهم ربما (وبالذات سايكس-بكيو) قد أدّوا للشعب الفلسطيني خدمة صغيرة (إثبات وجوده)، فبرأيي لو هُجّر الفلسطينيون إلى محيط عربي موحد وكبير جغرافيا لكانت فرصة الذوبان الكلي للفلسطينيين في محيطهم العربي. نحن كأردنيين نستخدم دوماً الكثير من المصطلحات التي قد تكون ذات معنى نبيل لكن هي تعمل فعليا على تعزيز الحجة الإسرائيلية في مطالب تهجير الفلسطينيين وشطب الشعب والثقافة الفلسطينية من التاريخ، مصطلحات مثل: شعب واحد، الأردن هو فلسطين وفلسطين هي الأردن..والكثير من هذه الأوصاف التي أطلقت تحببا وتعزيزا لوحدة القضية، لكن أعتقد اليوم أن مسألة الفصل بين الهويتين الأردنية والفلسطينية هي مسألة بقاء لكلتيهما، ولا اقصد بذلك الأردنيين من أصول فلسطينية بأي شكل.

أطلق عبدالسلام المجالي رئيس الوزراء الأردني آنذاك صيحته المشهورة "اليوم دفنا الوطن البديل"، كان ذلك بعد التوقيع على معاهدة وادي عربة ... الناظر إلى حال معاهدة السلام بعد سبع عشرة عاما من توقيعها يدرك تماما أن ما ترتّب له اسرائيل يتجاوز كل ما يتخوف منه الأردنيون والفلسطينيون سواء...الفلسطينيون لن يكونوا الوحيدين الذين يخسرون بلادهم، فلسطين ضاعت قبل 1948 بكثير...


No comments:

Post a Comment